الثلاثاء، نوفمبر ٢٧، ٢٠١٢

التكعيبية المصرية بين النظرية والتطبيق (1-4)......مقدمة

لو قام سلفادور دالى من تربته ليتمطع ويبرم شاربه الشهير ثم قرر رسم احدى لوحاته السيريالية  التى تختلط فيه الاذرع بالسيقان بالحشايا لما وجد افضل من الوضع السياسى الراهن فى مصر ليخلد به تلك الحياة التكعيبية التى نحياها الآن!!

لم تكن قرارات مرسى الأخيرة صادمة من الناحية السياسية فقط بل كشفت لنا عن حجم السدد السياسى الذى عاشته مصر فى السابق والاشبه بغطاء رادياتير ما ان تم فتحه فى 25 يناير حتى اندفع قاذفا قاذورات ثلاثين سنة عجفاء فى وجوه الجميع، وما قرره مرسى فى فرمانه الدستورى المشئوم وضع الشعب المصرى باكمله على الحافة كاشفا الجميع على طريقة رسومات دالى: اقزاما فى حجم العماليق، وشهداء لا يساوون عند المجتمع اكثر من عقلة اصبع!!
الصورة الحالية بمنتهى البساطة هى استقطاب حاد فى المجتمع قسمه الى فسطاطين لا ثالث لهما: الاخوان والمعارضة.....اخوان لا تترك فرصة للهيمنة على مؤسسات الدولة الا وتنتهزها، ومعارضة غير منظمة تلهث دوما للحاق بحركة الشارع، فاما الاخوان لمن لا يعرفهم فهم مجموعة ميكانيكية منعدمة التفكير لا تختلف عما كان عليه الحزب الوطنى فى السابق، تجتمع فى الميدان برنة موبايل من المرشد وتضرب المعارضين بتويتة من العريان، ثم تنسحب باشارة من خيرت الشاطر..... واما المعارضة لمن يجهلها فهى ليست احزابا بالمعنى المتعارف عليه بل عبارة عن (مرشح رئاسى وطلعله حزب!!)، فللبرادعى دستوره ولصباحى تياره الشعبى ولابى الفتوح مصره ال(لا مؤاخذة) القوية!!
منذ مساء الخميس وقد اتضحت الصورة تماما، فالوضع اخطر من ان يقبل الحلول الوسط من اى من الطرفين فاما القبول بالاعلان الدستورى كله او اسقاطه كله، والقرارات التى أصدرها مرسى فى ظاهرها الدفاع عن الثورة وفى باطنها العبط كله، فهو يريد منا أن نسلم باعلان دستورى يتيح له اصدار اى قانون دون رادع قانونى او قضائى حتى ولو اباح اللواط فى الشوارع (يعشق الاسلاميون تهمة الشذوذ الجنسى فلا مانع من اشهارها فى وجوههم هذه المرة!)، وله الحق فى الحكم على اى معارض بالحبس او الاعدام بحجة قلب نظام الحكم، وله الحق فى حل أية هيئة قضائية دون الطعن عليه، بل والأنكى أنه يدفع المجتمع دفعا لقبول الدستور (المسلوق) فى الاستفتاء القادم من اجل انهاء فترة الاعلان الدستورى وهو الهدف الاهم للاسلاميين فى هذه المرحلة اما اذا وصلنا للمعارضة فسنجدها لن تترك مرسى يفلت بأية مادة من هذا الاعلان الدستورى سواء بتحصين جميع قرارات مرسى أو السيادية فقط واضعين رقاب البلاد عامة ورقابهم الشخصية تحت مقصلة جماعة لن تتوانى عن تصفية حساباتها الشخصية مع الجميع اذا دان لها الامر...... وفى المقابل فان مرسى يرى انه ليس ب(عنتر) الذى احتاج سبعة صفعات على قفاه لينهزم أمام (لبلب)، وبالتالى فصفعتى البرلمان والنائب العام كافيتين تماما ليتعلم ان اللى يبدأها عافية لازم يكملها عافية حتى النهاية، وأن الجرأة حلوة بس تبقى للآخر، وان انصاره (فضلا عن قفاه الشخصى) لن يتحملوا قفا ثالثا يطيح بهيبة الرئاسة الى الابد!!
 وبنظرة بسيطة الى الوضع القضائى فنكون قد وصلنا الى سريالية قضائية لا تتواجد فى أى دولة على ظهر البسيطة......مجلس شورى سيحل بالقانون ولكن قرار حله لا يساوى الحبر الذى اريق عليه،و جمعية تأسيسية لكتابة الدستور ستحل بحكم قضائى ولكنها محصنة بقرار من الرئيس، و قانون رئاسى (طلع فى الزيطة) من أجل النقابات العمالية ولا يحق لأحد الطعن عليه، و حكمان قضائيان بعودة جمال عبد الرحيم الى رئاسة تحرير الجمهورية يوضعان فى سلة قمامة مجلس الشورى وتعيين السيد البابلى رئيس تحرير غصبا عن عين التخين، و قيادات قضائية فاسدة اصبحت من تيار استقلال القضاء ورموز سابقة لاستقلال القضاء اصبحت اداة فى يد السلطة التنفيذية من أجل نفخ القضاة، و ايقاف قناة الفراعين (مزبلة الفضائيات عموما) بدون حكم قضائى ومنع بثها مرة اخرى رغم صدور حكم بذلك الى اخره من الافعال التى تعطيك فكرة عن شكل دولة القانون التى يتصورها الاخوان المسلمون!!

اما اذا انتقلنا الى خانة التحالفات السياسية فسنجد سريالية أشبه بلوحة (الربيع) لدالى حيث يظهر الجميع راكبين فوق بعضهم (واهه كله فوق بعضه!).....اخوان ينددون بزملاء الثورة القدامى الذين وضعوا ايديهم فى ايدى عمرو موسى (الخمورجى) والزند (الفلولى) ومرتضى (صبى العالمة) نكاية فى مرسى والاخوان متناسين انه لا علاقة للشرف ايضا بالوقوف فى نفس الخندق مع قاتل مثل طارق الزمر و متلون مثل عصام سلطان واراجوز مثل وجدى غنيم.....رئيس لناد القضاة يتوعد من يختلف معه بما يوازى وضع العصا فى ادبارهم بينما يقبل من يقفون بجانبه فى أفواههم، نائب عام سابق يفتتح مؤتمره بسرد انجازاته فى الحفاظ على المال العام ويختتمه بسرد القضايا التى قام بالطرمخة عليها، داعية اسلامى تلقى تربيته فى احدى احدى الزرائب يفتخر باخلاقه قائلا (احنا لساننا عفيف) مردفا ذلك باستخدام حفنة من الفاظ الحوارى والمواخير، داعية آخر يشتم ويخوض فى اعراض النساء ثم يعلن انه يفعل ذلك اقتداء بالرسول (صلى الله عليه وسلم)، مرشح رئاسى سابق اشتهر باسم المرشح الكذاب انحسرت عنه الاضواء فقرر الرجوع اليها بافتعال مناظرة بلهاء مع منافسيه حول الشريعة!!، كنيسة تحاول اقامة دولة القانون لضمان حمايتها بينما ترفض ان تخضع اموالها لرقابة الدولة، جماعة تعلن بعد اى قرار ابله بوجود قرارت فى الدرج من القضاء والمجلس العسكرى بهدم الثورة بينما لا تجرؤ على اخراج مسودة الدستور المتفق عليه من مكتب الارشاد والقابع فى درجها منذ شهور، قاض يوقع على بيان بان الاعلان الدستورى هو اعتداء على القضاء ثم يقبل أن يأتى نائبا عاما فى نفس الوقت بموجب هذا الاعلان، ثوريون يحنون للحكم العسكرى وسلفيون يعطون المجتمع دروسا فى الديمقراطية، متظاهرون يرون فى حرق مقرات الاخوان وقذف وزارة الداخلية بالمولوتوف عملا ثوريا واخوان يرون فى التعدى على المتظاهرين المدنيين وهدم منصاتهم اعمالا تقربهم الى الله، تيار يصدر للفضائيات اشخاصا تفهم من كلامهم ان دماء الاخوان حلال بينما يصدر التيار الاخر شخصا مثل احمد ابو بركة لا تفهم من الاصل حرفا من كلامه ، تيار يستخدم الشهيد جابر للتدليل على عنف داخلية الاخوان وتيار آخر يستخدم الشهيد اسلام للبرهنة على بلطجة المعارضة وكلا الطرفين يسترزق بشهدائه.......يهوذا يجلس الآن بدلا عن المسيح والقلعة تشيد بجانب البحر!

ولأن الحديث له شجون فلا مانع فى المرة القادمة من التسلية على قفا كل طرف من هذه الاطراف ما دام الواحد عايش و مرسى بيشرع ودالى بيرسم!!